فروج السماء
فروج السماء لا ترى أو على الأصح مكانها سواد
حالك, في السنوات القليلة وبالتحديد في أواخر
السبعينات وأوائل الثمانينات عرف بوجودها على أثر
القيام بمسح جديد للسماء لعمل خرائط كونية ذات
ثلاثة أبعاد . فعندئذ فوجئ الفلكيون بوجود العديد
من الفجوات وكأن السماء قد ملئت بها . وأعيد إنشاء
هذه الخرائط بدقة أكثر لتشمل مجرات ذو انزياح أحمر
يعادل مسافات أبعد من بليون سنة ضوئية .
وأصبح الشك يقينا عندما اتضح أن الغالبية العظمى من
المجرات إن لم تكن كلها تقع على جوانب فجوات هائلة -
يبلغ قطرها 150 مليون سنة ضوئية - قد لا تحتوي على أي
شيء إطلاقا من المواد المضيئة
وقد اكتشفت فجوة عملاقة في عالم 1981 في برج بويتس
قطرها 250 مليون سنة ضوئية ويحفها حائط من المجرات
ويعتبر مركزها خاليا من المجرات وفي عام ذ989 اكتشف
أضخم حائط مجرات يزيد طوله على 500 مليون سنة ضوئية
ويبلغ عرضه 200 مليون سنة ضوئية وسمكه حوالي 15 مليون
سنة ضوئية ويحتوي هذا الحائط الذي سمى " بالسور
العظيم " على عدد من الفجوات الهائلة
وقد أدت هذه الاكتشافات المتتالية إلى الاعتقاد
بأن الكون يتكون من فجوات أو فقاعات تقع المجرات
على أطرافها مثله في ذلك مثل قطعة الإسفنج الطبيعي
التي تتكون من فجوات يحيط بها جدار من الإسفنج
ويحاول الفلكيون والفيزيائيون الآن حل لغز الفجوات
أو الفروج السماوية وتفسير وجودها , والاقتراح
المرشح لتفسير هذه الفروج هو ما يسمى بالمواد
الباردة المظلمة . فهي تتكون من مواد لم تتكثف أو
تتوهج بعد في صورة نجوم ومجرات وقد تحتوي هذه
الفجوات أو الفروج ثقوبا سوداء تبتلع كل ما يقترب
منها من مادة مضيئة أو غير مضيئة حتى آشعة الضوء لا
تستطيع أن تقلت من جاذبيتها القوية .
ولن نتعمق أكثر من ذلك في وصف طبيعة المادة الباردة
المظلمة فحتى الآن لم يتمكن أحد من التأكد من
كينونتها . وقد يتمكن العلم من معرفة المزيد عما
تحتويه هذه الفجوات أوالفروج من مادة , كذلك من
معرفة ما إذا احتوت على ثقوب سوداء أو لم تحتو عليها
وذلك بدراسة أدق وأطول لحركة المجرات التي تكون
حائط الفروج وما إذا كانت هذه المجرات تدور حول
مراكز الفروج أو تنجذب اليها وسرعة دورانهم أو
انجذابهم
عودة إلى الآيات القرآنية
ذكرت فروج السماء في الآية : ( أفلم ينظروا إلى
السماء فوقهم كيف بنيناها وزيناها وما لها من فروج )
وقد فسر أكثر المفسرين ( ما لها من فروج ) بأن " ما
" هنا هي " ما " النافية أي أن السماء خالية
من الفروج التي تبنى بضعف أو خلل في بناء السماء .
إن العلم يقدم لنا تفسيرا آخر قائما على أن " ما
" في الجملة الأخيرة وفي الآية السابقة هي اسم
موصول بمعنى الذي وليست " ما " النافية وعندئذ
تقرأ الآية كلها في الصيغة التعجبية الاستفهامية
كالآتي : أفلم ينظروا إلى السماء فوقهم كيف بنيناها
وزيناها ؟ وأفلم ينظروا ما للسماء من فروج ؟ كذلك أن
فهم الآية الكريمة على هذه النحو يتمشى أكثر مع
الصيغة الاستفهامية التعجبية التي بدأت بها الآية
" أفلم ينظروا " ؟
إن هذه الفروج والفجوات تساعدنا في فهم هذه الآية
القرآنية بل وتبدو - والله أعلم - وكأنها هي المقصود
بها في تلك الآية . والواقع أن الصيغة اللغوية للآية
وكتابتها بهذا الأسلوب الذي يمكنا من فهمها على
النحوين السابقين لهو آية من آيات الإعجاز اللغوي
في القرآن ودليل على إمكانية تطور فهمنا لمعاني
القرآن حسب قدرنا من العلم والمعرفة . فلو جاءت
الآية الكريمة على النحوالتالي مثلا : ( أفلم ينظروا
إلى السماء فوقهم كيف بنيناها وزيناها ولم نجعل
فيها فروجا ) لكان نفي وجود الفروج ولجاء الفلكي في
عصرنا هذا معترضا بأن العلم قد أثبت أن للسماء
فروجا فما بال القرآن ينفي ذلك ؟ ولو ذكرت نفس الآية
في صيغة الإثبات أي ( أفلم ينظروا إلى السماء فوقهم
كيف بنيناها وزيناها وكيف جعلنا فيها فروجا ) لتعجب
البدوي بل كل ناظر للسماء بعينين مجردتين ليرى سماء
زرقاء متجانسة متكاملة نهارا وسماء مظلمة في كل
جانب ليلا إلا من المصابيح التي تزينها في كل مكان ,
ولتساءل عندئذ في حيرة! إني لا أرى إلا سماء جميلة
متكاملة فأين هي الفروج ؟
فذكر الآية على النحو الذي جاءت عليه يمكن كل قارئ
في كل زمان ومكان ومهما اختلفت ثقافته وخلفيته من
فهم الآية الكريمة تبعا لهذه الثقافة وهذه الخلفية
وفي سهولة ويسر , فمن لا يرى فروجا في السماء ولا
يعلم بوجودها سوف يقرأ الآية معتبرا أن " ما "
هي " ما " النافية فيتمشى ذلك مع رؤيته وعلمه ,
ومن رأى فروج السماء أو عرف بوجودها سوف يقرأها
معتبرا أن " ما " هي " ما " التعجبية فيتمشى
ذلك مع مقدرا ما أحاطه الله به م علم وما استطاع
أنيرى بعينيه .
فسبحان الذي أنزل هذا القرآن " وبالحق أنزلناه
وبالحق نزل " وصدق الحكيم العظيم عندما قال "
ولوكان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا
"
|