السماء التي زينها الخالق بمصابيح أي بنجوم وكواكب ومجرات ليست إلا السماء الدنيا التي نراها من أي مكان قال تعالى : ( ولقد زينا السماء الدنيا بمصابيح وجعلناها رجوما للشياطين وأعتدنا لهم عذاب السعير ) , من على سطح الأرض أو من داخل المجموعة الشمسية أو المجرة أو خارجها . قد نراها بصور وبألوان مختلفة ولكنها هي هي نفس السماء , بما فيها من كواكب ونجوم ومجرات . الآية التالية تؤكد هذا الفهم : ( أفلم ينظروا إلى السماء فوقهم كيف بنيناها وزيناها ) فالسماء تذكر هنا في صيغة المفرد فالسماء التي بناها وزينها الخالق هي السماء التي نراها فوقنا
أما بالنسبة للسماوات الأخرى فما نفهمه من الآيات الأخرى انهنا متطابقات : ( ألم تروا كيف خلق الله سبع سماوات طباقا ) أي أنها خارج السماء الدنيا ومحيطة بها ولكنا لا نستطيع أن نراها لاتساع السماء الدنيا هذا الاتساع الهائل فالسماء الدنيا بالنسبة لنا هي الكون الذي ندرسه والذي لم نبلغ أطرافه أو نهايته حتى نرى ما وراءه
لقد خطى الإنسان خطوات واسعة في مجال العلم والتكنولوجيا . وخاصة في النصف الثاني من القرن العشرين واستطاع أن يخرج من أقطار الأرض , فهل نأمل أن يستطيع الإنسان في وقت من الأوقات أن يخرج من أقطار السماء الدنيا أي من أقطار ما نسميه بكوننا ؟ إن القرآن الكريم يترك لنا إمكانية حدوث ذلك : ( يا معشر الجين والإنس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السماوات والأرض فانفذوا لا تنفذون إلا بسلطان ) و خروج الإنسان من أقطار السماء هو أمر في منتهى الصعوبة إن كان أصلا ممكنا ولذلك فنحن نرجح بأن الجن هم المقصودون بالنفاذ من أقطار السماوات وبأن الإنس هم المعنيون بالنفاذ من أقطار الأرض
والصعوبات التي يقابلها الإنسان إذا حاول الخروج من أقطار السماوات تعود أصلا إلى طبيعة تكوينه وخلقه فالإنسان خلق من مادة والمادة صورة مركزة من صور الطاقة ولها كتلة ضخمة بخلاف صورة الطاقة الأخرى من ضوئية إلى حرارية وهذه الكتلة تحتاج لقوة لزيادة سرعتها والقوة تحتاج إلى شغل مستمر أو طاقة لنقل نقطة تأثيرها من مكان إلى آخر
وفي نطاق السرعات التي ننتقل بها على الأرض سواء كانت أقل أو أعلى من سرعة الصوت لا تجد صعوبة في نقل كتلة الإنسان من مكان إلى آخر فكمية الطاقة اللازمة لذلك لا زالت في متناول أيدينا ومتوفرة في البترول مثلا
ولبلوغ أقطار السماء أو حتى القيام برحلات كونية يتحتم علينا أن نسافر بسرعات قريبة من سرعة الضوء وإلا عاجلتنا المنية من قبل أن نصل إلى أقرب نجم إلينا وذلك للمسافات الكونية الهائلة التي تفصل النجوم والمجرات عن بعضها
نحن لا نرى للكون حدودا فكيف ننفذ من أقطاره إذا كان بلا حدود ؟
وهل يوجد شيء يسمى سرعة الهروب من الكون كسرعة الهروب من جاذبية الأرض ؟ وما قيمة هذه السرعة ؟
لا يستطيع العلم أن يجيب علي أسئلتنا حتى الآن وقد لا يستطيع الإجابة عليها لأحقاب طويلة
يبدو أن خروج الإنسان من أقطار السماوات أمر بعيد المنال ولم يتبق بعد ذلك إلا احتمال الوصول إلى أقطار هذا الكون بالمراقبة العينية وبمساعدة أجهزته أي رؤية أبعاد هذا الكون بينما هو يتمتع براحته وإطمئنانه على أرضه وبدفء كوكبه
وحتى الأن بالرغم من قوة الأجهزة التي اخترعها الإنسان فلم يصل إلى أبعاد الكون بل كان أقصى ما وصل إليه هو الإشعاع الخلفي الذي يملأ الكون كله ويأتي من كل جهة وقد يكون هذا الإشعاع الخلفي هو أحد علامات أقطار السماء , ولكنا حتى الآن لا نرى له بداية أو نهاية
الخيوط العظمى
وبسبب تلك الأبحاث وما توصل إليه العلم من حقائق وجدت نظرية الخيوط العظمى
Super Strings
ففي هذه النظرية تتكون الأجسام الأساسية من أشياء ذات بعد طولي وليس من جسيمات
Particles
تشغل حيز نقطة مادية في الفضاء كما كان الحال في نظرية الجسيمات . وتبدو هذه الأشياء الطولية وكأنها خيوط رفيعة لا نهائية الطول . وقد يكون لهذه الخيوط أطراف وحينئذ تسمى بالخيوط المفتوحة وقد تغلق هذه الخيوط على نفسها مكونة حلقة مغلقة . وحركة هذه الخيوط في الفضاء أو أثرها الزمني يعطي مستوى مفتوحا أي سطحا عاديا إذا كانت الخيوط مغلقة , وتسمى هذه المستويات بمستوى العالم
ولهذه الخيوط العظمى خواص أخرى . فهذه الخيوط تخضع لأعمال السمكرة العادية فمن الممكن أن تتلاحم مكونة خيطا واحدا وبالمثل ممكن أن تقطع أو تنقسم على نفسها مكونة خيطين . ويمكن تمثيل حركة الجسيمات بموجات تتحرك بطول الخيط تماما كالموجات . كذلك إنشطار الأجسام واندماج بعضها مع بعض يمكن تمثيله بإنقسام الخيوط وبتلاحمها وعلى سبيل المثل يمكن شرح قوة الجذب بين الأرض والشمس فيزيائيا بإنبثاق جسيم الجرافيتون
Gravtion
من الشمس وامتصاص بجسيمات أخرى في الأرض على شكل H الأجزاء الرأسية منها تمثل الخيوط والجسيمات في الأرض والشمس والجزء الأفقي يمثل مسار الجرافيتون بينهما
وربما نتساءل الآن عن علاقة نظرية الخيوط العظمى بالمساوات السبع . والجواب في خاصية غير عادية لنظرية الخيوط العظمى وهي ان الحل الرياضي لهذه النظرية يستلزم وجود عشر أبعاد . ونحن نعرف أننا إذا سرنا للأمام وللخلف فهذا يسمى بعدا , وإذا سرنا يمينا أو يسارا فهذا بعد ثان وإذا ارتفعنا إلى أعلى أو هبطنا إلى أسفل فهذا يمثل البعد الثالث . وأي شكل فراغي مثل سيارة أو منزل ممكن تمثيله بواسطة هذه الأبعاد الثلاثة الطول والعرض والارتفاع . وبعد اكتشاف النظرية النسبية أضيف إلى هذه الأبعاد الثلاثة الفراغية بعدا رابعا وهو الزمن
معنى ذلك أننا في حياتنا هذه في هذا الكون وتحت السماء الدنيا نعيش في أربعة أبعاد فقط ثلاثة أبعاد فراغية وبعدا رابعا للزمن فأين إذن الأبعاد الستة الباقية ؟
إحتار الفيزيائيون في الإجابة على هذا السؤال . فقد طرحوا اقتراحا للإجابة على هذا السؤال يقول إن الأبعاد الستة الباقية ملفوفة داخل هذه الخيوط في حيز يقل حجمة عن جزء من بليون بليون من المليمتر , ونتيجة هذا الصغر المتناهي فإننا لا نرى ولا نشعر بهذه الأبعاد . ولكن حتى الآن لم يظهر أي تدعين لهذا الاقتراح فلماذا لفت هذه الأبعاد الستة في ذلك الحيز الضيق المتناهي في الصغر وتركت الأربعة الآخرين ؟ وهل من الممكن أن يكون هناك تفسير آخر ؟ بدلا من أن تكون الأبعاد الستة متناهية في الصغر فقد تكون متناهية في الكبر . أي تكون خارج الكون أو خارج السماء الدنيا وفي هذه الحالة أيضا لن نلاحظها ولن نراها لأنها خارج كوننا
إن عدد السماوات التي تقع فوق سمائنا الدنيا هو ست السماوات وعدد الأبعاد الناقصة التي يبحث عنها الفيزيائيون ستة أبعاد فهل من الممكن أن تمثل كل سماء فوق السماء الدنيا ببعد من هذه الأبعاد ؟ ومن حسن الحظ أن الحل الرياضي يسمح بتكرار بعد أو أكثر في الأكوان الأخرى . فمن الممكن أن نشعر بعامل الزمن في هذه السماوات وممكن ألا نشعر به .
كذلك يمكن أن يكون في كل كون من هذه الأكوان بعدا واحدا فراغيا أو أكثر وإذا تلاشى عامل الزمن في أي سماء من هذه السماوات أو فيهن كلهن أصبحت الحياة فيهن خلودا متواصلا . وإذا تلاشى أي بعد فراغي من أبعادنا الرئيسية تصبح الحياة لمخلوقات في أشكالنا مستحيلة ولزم علينا إذا وصلنا إلى أي من هذه السماوات أن نتحول إلى مخلوقات مستوية تسطيع العيش في بعدين فراغيين فقط أو إلى مخلوق كالسهم المارق لا يتحرك إلا في بعد واحد كشعاع الضوء مثلا
قد تأخذنا هذه الاحتمالات والاقتراحات مرة أخرى إلى الخيال العلمي ولكن الافتراض بأن الأبعاد الستة تقع خراج سمائنا الدنيا ليس أكثر خيالا من الافتراض بأن الأبعاد الستة ملفوفة داخل الخيوط العظمى