السماء ليست كما يظن البعض فراغا خاويا أو حيزا هاويا , بل هي بناء هندسي إلهي معجز مقدر تقديرا محكما , وتحيط السماء سطح كوكب الأرض من جميع الجهات . وكل ما يوجد على سطح الأرض ويتأثر بالجاذبية الأرضية كالسقف للبيت ومهما سما إليها بصر الإنسان أو نظر إليها عبر المناظير الفلكية المطورة فإن الإنسان يعجز تماما عن تحديد حقيقة أبعادها 
وما في السماء الدنيا ( أو ما يسمى بجو السماء ) من طبقات غازية ( الغلاف الجوي حول الأرض ) يعمل على حماية سطح الأرض وحفظه من أضرار تساقط بقايا الشهب والنيازك عليه , ويقول عزوجل : ( وجعلنا السماء سقفا محفوظا وهم عن آياتها معرضون ) سورة الأنبياء
زينة السماء الدنيا
زين الله سبحانه وتعالى السماء الدنيا بمصابيح منها الشموس والنجوم والكواكب , وجعل لكل منها مسلكا وبروجا ومدارات أو طرقا محددة ومقدرة لها . وتبدو السماء زينة لكل الناظرين إليهاينعمون بجمالها ويستمتعون ببهجة السماء وزينتها وروعة منظرها . ولا يختص هذا الجمال لفرد بذاته في مكان أو في زمان معين , بل هو جمال وإبداع لكافة الناظرين إلى السماء في كل زمان ومكان . وهو الحسن الشامل وهبه الله سبحانه وتعالى وأنعم به عليه ليزكي به القلب , وينير به العقل , وليبعث كوامن النفس البشرية على بذل المزيد من الجهد والعطاء , وحب الإنسان للجمال وفعل الخير , والتأمل في آيات الله الكونية المرئية  للاستدلال على عزته وجلاله ووحدانيته وربوبيته
ولا تقتصر زينة السماء على ما فيها من شموس ونجوم مضيئة وكواكب وأقمار منيرة , بل كذلك على التوزيع الجغرافي المذهل والتنسيق الهندسي الإلهي المعجز في رقعة السماء . فلا تسبح النجوم والكواكب في الفضاء السماوي بصورة عشوائية كما لا تتركز مجموعاتها  , وتتمركز في جزء من السماء دون جزء آخر منها , بل قضى الله عز وجل أن يكون لكل منها مواقعها المحددة لها ومداراتها التي لا تحيد عنها أبدا , وأن تزين جميعها كل أركان السماء . وتتخذ مجموعات السدم والمجرات أشكالا متباينة , فمنها ما يبدو شكله عنقوديا أو لولبيّا أو حلزونيّا أو بيضاويا أو كرويا ومنها ما يظهر بأشكال أخرى متنوعة وبأحجام متباينة
وهكذا صارت صفحة السماء آية من آيات الله وعلامة من علامات دلائل القدرة في الخلق وزينة للناظرين إليها وبرهانا ساطعا يقينيّا على وحدة الخالق وعظمته وجلالته

المسالك والبروج في السماء

السماء كما قضى الله تبارك وتعالى منسقة ومزينة بأجمل تنسيق وأبهى زينة وأجمل صورة ومتعة للناظرين إليها . وقد تبين للعلم الحديث أن في السماء بروجا وطرقا ومسالك ومدارات ثابتة ومحددة لكل كوكب ونجم وشمس وسديم من بين ملايين كل جنس منها المتناثرة في رقعة السماء . ولا يمكن لأي منها أن يحيد عن مداره أو مسلكه التي حددت لها بأمر خالقها تبارك وعلا , على الرغم من الاختلاف الكبير من حيث الشكل والحجم والتركيب الغازي والمعدني والكثافة والسرعة . والمدارات والطرق والمسالك في السماء لا حصر لها عددا فهي تعد ببلايين البلايين بعدد ما في السماء من نجوم وكواكب وأقمار .
إلا أن هذا العدد اللانهائي محبوك بإتقان مذهل ومتشابك بنظام معجز ومحكم بنسيج مبدع , ذلك لأنها من صنع الله عز وجل الذي أقسم بها ليحث الإنسان على التأمل فيها والتمعن في خلقها ويقول عز وجل : ( والسماء ذات الحبك ) سورة الذاريات ويقول سبحانه : ( والسماء ذات البروج ) سورة البروج
يقسم المولى عز وجل بالسماء ذات الحبك المنسقة المحكمة التركيب المحبوكة كتنسيق الزرد المتشابك المتداخل الحلقات . ومع ذلك لا يحدث تصادم بين بلايين البلايين من المجرات والكوكبات والنجوم والكواكب والأقمار , فكل منها مسخر في مداره بمشيئة الله عز وجل يسبح فيه بسرعة هائلة منتظمة دون ملل أو تعب
ويرى بعض المفسرين أن الحبك منسقة التركيب قد ترمز إلى إحدى هيئات السحب في السماء حين تكون موشاة كالزرد مجعدة تجعد الماء والرمال إذا ضربته الريح . وقد يكون هذا وصفا دائما لتركيب الأفلاك المتشابكة المتناسقة في السماء